المعارف أم الكفايات ؟
كما ظهرت تيارات بحثية أخرى ، تفضل التركيز على موضوع الكفايات ( * ).
و المقصود بالكفايات " تشكيلة من قدرات معرفية و مهارية ووجدانية ، كلما تمكن الفرد منها إلا وكان قادرا على توظيفها في سياقات كثيرة بعدما ارتبطت في بداية تشكلها واكتسابها بسياق واحد أو بمادة دراسية واحدة ".
ولعل من أهم أسباب النجاح الباهر الذي لقيته تلك التيارات , هو أن الكفايات تتميز عن المعارف من حيث العمل على احترام الرغبة الملحة في تمكين التلميذ من أدوات فكرية قابلة للنقل و التحويل(شبيه بما يعرف في علم النفس التربوي بانتقال أثر التدريب، كانتقال أثر التدريب بين اللغات ، فتعلم إحداها يساعد في تعلم الأخرى ). الأمر الذي لا تسمح به دائما المعارف و محتويات المواد الدراسية . وشكل هذا الاختيار أهم تحد بالنسبة للطرق المعروفة بطرق التربية الفكرية و التي وضعت أساسا لفائدة الجمهور العريض والذي كان يعاني من مشاكل مع المؤسسات المدرسية. وأيضا لفائدة التلاميذ الذين يعانون من صعوبات التعلم أو الراشدين الذين لا يتمكنون من التأقلم مع تطور المهن و يعجزون عن تحويل ونقل خبرتهم من مجال تكوينهم الأصلي إلى مجالات مهنية جديدة.
وتهدف تلك الطرق والتقنيات والتي عرفت نجاحا كبيرا في الثمانينات من القرن الماضي , إلى العمل على ولوج وبشكل مباشر , العمليات العقلية وتطويرها ، مع السعي نحو التخلص من إشكالية المعرفة ومحتويات المواد الدراسية. وكمثال على تلك الطرق و التقنيات ، نجد برنامج " الإغناء المفاهيمي " و كذا ما يعرف "بمعامل تطوير التفكير المنطقي " وبرنامج " كورت " في اكساب مهارات التفكير وتنمية المواهب.. .
كما أن الكفايات تتميز و تمتاز عن المهارات المهنية والتي عادة ما تصنف في لوائح جامدة لا تساير التحولات السريعة في مجال المهن ولا تساير ما أصبح مطلوبا من مرونة في العمل.
* * *
لقيت مثل هذه الطروحات أصداء لها في أنظمتنا التعليمية ، إذ نلاحظ أن مدخل الكفايات هو المعتمد حاليا في إعداد برامج تكوين المعلمين بكليات التربية في معظم البلدان العربية بما فيها سلطنة عمان، خاصة برامج التربية العملية .
لكننا نلاحظ أيضا ، أن هذا المدخل لم ينتقل بعد ، لتنظيم المناهج الدراسية الموجهة للتلاميذ ، ما عدا في عدد محدود من الدول و من بينها المغرب ، حيث ما زالت البرامج تبنى إما وفق المعرفة أو وفق مدخل الأهداف السلوكية وذلك على الرغم من الصعوبات الكثيرة التي يعاني منها المدرسون و الموجهون التربويون أنفسهم ، في تعاملهم مع المدخل السلوكي ( محمد الدريج ، 2004 ).
و للتذكير فقد أوصى المجتمعون في ندوة "الأوزان النسبية للمواد الدراسية " ، التي أقيمت في مملكة البحرين (10-14 مايو 2003) وشاركت فيها وفود تربوية من جميع دول مجلس التعاون الخليجي ، " بعدم التقيد في بناء المناهج بمدخل واحد فقط أي بالمعرفة أو الأهداف أو الكفايات ، و أوصوا بأن يبنى المنهاج باعتماد هذه المداخل بدون انفصال ، لأنها تكمل بعضها البعض و تعطي قوة للمنهاج ". و أوصوا كذلك " بالبحث في إمكانية دمج بعض المواد الدراسية التي تحقق كفايات متشابهة للاستفادة من الزمن الدراسي للمواد التي تناسب تطور العصر".
كما اقترح المشاركون في المؤتمر الدولي حول تطوير التعليم الثانوي ، الملتئم بمسقط ( أيام 22-24 ديسمبر 2002 ) ، بخصوص نماذج المناهج " أن ما يمكن أن يتعلمه الطالب بشكل فعال في المدرسة ، من الأفضل أن يكون محددا بمجموعة من الكفايات العامة الشاملة و الضرورية لكافة أنواع المهن و القابلة للتطبيق في عدد كبير من الظروف . إن مثل هذه الكفايات بدأت تظهر في عمليات التطوير الأخيرة للأنظمة التعليمية ." ( عن وثيقة تطوير التعليم الثانوي ، منشورات وزارة التربية و التعليم ، مسقط ، مارس 2003 ، ص.10).
4 - تنظيمات معاصرة للمنهاج الدراسي
كما أسلفنا ، يذهب العديد من علماء المنهاج إلى أن التطوير الناجح و الإصلاح الشامل للأنظمة التعليمية ، لا يمكن أن يكتمل إلا إذا شمل نموذج تنظيم منهاجها الدراسي ، فأنجزوا العديد من البحوث التي انتهت إلى اقتراح نماذج لتنظيمات منهاجية جديدة ، تحاول فك العزلة عن المدارس والتي بقيت منغلقة وحبيسة منهاج المواد ، خاصة منهاج المواد المنفصلة والذي يتميز بتركيزه الشديد على المحتويات المعرفية في شتى العلوم و بشكل مستقل ، و التعامل مع المقررات كجزر منعزلة و تهميشه للطلاب وتجاهل فروقهم الفردية واحتياجاتهم وميولهم .
كما أدت تلك الأبحاث إلى تميز ثلاثة منظورات أساسية في بناء و تطوير المناهج ، وهي :
1- المنظور المتمركز على المعرفة .
2- المنظور المتمركز على التلميذ .
3- المنظور المتمركز على المجتمع .
و أفرزت تلك المنظورات ، العديد من المناهج التي أصبحت تستجيب لمختلف التحولات ، خاصة ما ارتبط منها بالتحول في المشهد التربوي . فظهر المنهاج المحوري الذي يركز على احتياجات التلاميذ و مشكلاتهم . كما نشأ المنهاج الفعال و منهاج النشاط و الذي يركز على ميول الطلاب واستعداداتهم و ينطلق من تعريف المنهج باعتباره مجموعة من خبرات مترابطة و متكاملة ، توفرها المدرسة للطلاب ، قصد مساعدتهم على النمو الشامل ، وحيث أن الطالب لا يمكنه المرور بالخبرات إلا إذا قام بنشاط معين ، فمعنى ذلك أن النشاط يصبح أمرا حيويا لا غنى عنه في تحقيق الأهداف التربوية .
كما ظهر منهاج الا ندماج الذي يدمج دمجا كاملا بين مادتين متقاربتين و منهاج المجالات الواسعة و هو المنهاج الذي يدمج عددا من المواد المتقاربة الموضوع في مادة واسعة ( قطب أو مجال ) ، مثل دمج التاريخ و الجغرافيا و التربية الوطنية و الاقتصاد تحت اسم الدراسات الاجتماعية .
وفي العقود الأخيرة كثر الحديث عن أصناف أخرى من المناهج تصنف وفق معايير و منظورات مختلفة ، مثل المنهاج التكنولوجي و منهاج الاتصال التفاعلي و المنهاج الاخلاقي و المنهاج القومي و المنهاج التكعيبي و المنهاج الحلزوني و المنهاج الشمولي و المنهاج العالمي . . . ( انظر للمزيد : وليم عبيد و مجدي عزيز ابراهيم ، 1999وكذلك وليد هوانه 1998 ).
و سنقتصر في هذا العنوان ، على التعريف ببعض التنظيمات المعاصرة للمناهج على سبيل المثال ،وخاصة المنهاج التكنولوجي و ما أثاره من انتقادات تمخض عنها ظهور مناهج أكثرارتباطا بقضايا الإنسان و أقل ميلا إلى التنظيمات الانتاجية و التفكير الآلي و" مكننة " التعليم .
أ - المنهاج التكنولوجي
ارتبط ظهور هذا التنظيم لدى كل من بوبيت Bobbit و بوفان Popham و بيكر Baker و غيرهم ، بالنظر إلى المدرسة على أنها جهاز إنتاجي لا يختلف كثيرا عن المؤسسة الصناعية . و النظر بالتالي إلى المنهاج ، كتعبير عن منظومة إنتاجية تسعى إلى استخدام أساليب التكنولوجيا و ما تقتضيه من تشغيل منطقي للعمليات العقلية في التعليم و التعلم .( محمد الدريج ، 2004) .
كما يدعو أنصار هذا المنهاج ، هيئة التدريس و الهيئة الإدارية للقيام بدور المهندسين التربويين الذين ينظمون و يديرون المنظومة التعليمية لإعداد التلاميذ للمساهمة في تطوير مجتمعهم ؛
و يطالبون بتطويع الاجهزة و المعدات ذات القدرة الفائقة في تخزين وعرض وتحليل و استدعاء المعلومات ، للعملية التعليمية .
و بالرغم من ارتباط المنهج التكنولوجي عادة بالمواد الدراسية المنفصلة ، إلا أنه يسعى إلى تنظيم محتوياتها منطقيا ، و ترتيبها في شكل مهام تعليمية متدرجة ، حيث تجزأ كل مهمة إلى " مهرمات " تعليمية أي مهام جزئية مرتبة ترتيبا هرميا ، بحيث يؤدي التمكن من المهمة الجزئية الأدنى إلى تعلم المهمة الجزئية الأعلى في الترتيب الهرمي .( وليم عبيد ، 1999، ص.85)
و في السنين الأخيرة اتسع المنهاج التكنولوجي ليشمل مفاهيم و أساليب تربوية معاصرة مما يثبت أن هذا الشكل من التنظيمات المنهاجية ، ينهل بدوره من التحولات في المشهد التربوي العالمي و بشكل خاص من :
- توظيف النظرية السلوكية في التعليم و القول بالأهداف السلوكية – الإجرائية ؛
- التعلم الفردي الإرشادي ؛
- تفريد التعليم لكن بالتركيز من بين الفروق الفردية ، على اختلاف الطلاب في وتيرة (سرعة) التعلم . ( ومن هنا وجب التمييز بين التعليم الفردي المعتمد في هذا المنهاج و بين التعليم الشخصي المعتمد في المنهاج الإنساني ،بمعنى أن المتعلم في الشكل الأول قد يعمل منفردا و لكن المادة التعليمية التي يتعلمها ليست مادة خاصة به بل هي موجهة للجميع، في حين يوضع في المنهاج الإنساني برنامج مختلف لكل فرد)
- مدخل النظم ؛
- التعليم المبرمج ؛
- استخدام الحاسوب في التعليم ؛
- توظيف الأنترنيت ...
ب - المنهاج الإنساني
يمكن اعتبار المنهاج الإنساني و الذي يعرف أيضا بمنهاج الاتصال التفاعلي ، كرد فعل ضد النماذج التكنولوجية في التعليم ، والتي اتهمت بكونها تسعى إلى خلق الإنسان الآلي ، في حين ينبغي النظر إلى التعليم كنشاط إنساني يهدف إلى خدمة الإنسان كإنسان . و أن يكون للمنهاج بعد يراعي حرية الاختيار و القول والفعل و المشاركة والتفاعل . وضرورة قبول المتعلمين لفكرة تحمل مسئولية تعليم أنفسهم و اتخاذ القرارات بأنفسهم.( محمد الدريج ، 2004 ) .
كما يتميز هذا المنهج ب :
- التركيز على عملية الاتصال التي تحقق وجهة نظر المتعلمين .
- توجيه الاهتمام أولا وأخيرا للمتعلم واحترام خصوصياته وليس فقط وتيرته وسرعته في التعلم كما يفعل المنهاج التكنولوجي .إن عملية التعلم لايمكن وضعها كنموذج واحد لجميع المتعلمين وذلك بسبب اختلافهم في مستوى الذكاء و تعدد ذكاءاتهم و مستوى التحصيل وتاريخهم الدراسي و أسلوب تنشئتهم الاجتماعية ... فكان لابد من تنويع المناهج كي تراعي البعد الإنساني و الظروف المؤثرة في نمائه .
- الرفع من شأن الاحترام المتبادل بين جميع الأطراف الفاعلة في الحقل التربوي و المستفيدة منه .
- النظر إلى التعليم على أنه خبرة ذاتية واقعية ، لذا يجب أخذ رأي المتعلم في الاعتبار بالنسبة للموضوعات التي يتعلمها و القرارات الخاصة بهذا الشأن .
- النظر إلى المدرس على أنه المرشد و الموجه للمتعلمين .
- النظر إلى الخبرات الأولية التي يكتسبها المتعلم على أنها الزاد القوي و الضروري للفهم و اكتساب المفاهيم ، و بخاصة في المراحل المبكرة للتعليم .
( وليم عبيد و مجدي عزيز إبراهيم ، 1999 ).
ج - المنهاج الأخلاقي
أثبتت العديد من الدراسات المعاصرة ، أهمية إعادة الاعتبار للتربية الأخلاقية وضرورة صياغة ثقافة مدرسية ترتكز أولوياتها على القيم الأخلاقية (مدرسة القيم ) و ليس فقط على المعارف و المهارات . مما أدى ببعض المشتغلين بنظريات المنهاج ،إلى الحديث عن المنهاج الأخلاقي وحددوا عددا من الأهداف التي ينبغي أن يحققها هذا المنهاج و التي يمكن تلخيصها في النقاط التالية :
- الحرص على اكساب التلاميذ سمات و عادات شخصية مرغوب فيها ، مثل : الأمانة و التعاون و مساعدة الآخرين .
- الحرص على الارتباط بالقيم المتصلة بالمجتمع و بالوطن و تاريخه ومقدساته ، مثل الانتماء و الالتزام و التضحية و تقدير العمل ومعرفة الخصائص المميزة لثقافة المجتمع وتراثه .
- ترسيخ القيم الكونية ، مثل : احترام حقوق الانسان و رفض فكرة الاحتلال و التعاون و الحوار و التسامح و تقدير أهمية الشرعية الدولية و المبادئ و المواثيق التي صادقت عليها الأمم .
و للتذكير فإننا نجد في المنهاج الإسلامي في التربة ، منبعا لمثل هذه الأهداف و التوجهات ، ذلك أن الإسلام دين قيم ، و أن جميع تشريعاته و أحكامه و أفكاره ، ليست غاية في ذاتها و إنما الغاية القصوى تتمثل فيما قاله الرسول عليه الصلاة و السلام : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ".
كما ظهرت تيارات بحثية أخرى ، تفضل التركيز على موضوع الكفايات ( * ).
و المقصود بالكفايات " تشكيلة من قدرات معرفية و مهارية ووجدانية ، كلما تمكن الفرد منها إلا وكان قادرا على توظيفها في سياقات كثيرة بعدما ارتبطت في بداية تشكلها واكتسابها بسياق واحد أو بمادة دراسية واحدة ".
ولعل من أهم أسباب النجاح الباهر الذي لقيته تلك التيارات , هو أن الكفايات تتميز عن المعارف من حيث العمل على احترام الرغبة الملحة في تمكين التلميذ من أدوات فكرية قابلة للنقل و التحويل(شبيه بما يعرف في علم النفس التربوي بانتقال أثر التدريب، كانتقال أثر التدريب بين اللغات ، فتعلم إحداها يساعد في تعلم الأخرى ). الأمر الذي لا تسمح به دائما المعارف و محتويات المواد الدراسية . وشكل هذا الاختيار أهم تحد بالنسبة للطرق المعروفة بطرق التربية الفكرية و التي وضعت أساسا لفائدة الجمهور العريض والذي كان يعاني من مشاكل مع المؤسسات المدرسية. وأيضا لفائدة التلاميذ الذين يعانون من صعوبات التعلم أو الراشدين الذين لا يتمكنون من التأقلم مع تطور المهن و يعجزون عن تحويل ونقل خبرتهم من مجال تكوينهم الأصلي إلى مجالات مهنية جديدة.
وتهدف تلك الطرق والتقنيات والتي عرفت نجاحا كبيرا في الثمانينات من القرن الماضي , إلى العمل على ولوج وبشكل مباشر , العمليات العقلية وتطويرها ، مع السعي نحو التخلص من إشكالية المعرفة ومحتويات المواد الدراسية. وكمثال على تلك الطرق و التقنيات ، نجد برنامج " الإغناء المفاهيمي " و كذا ما يعرف "بمعامل تطوير التفكير المنطقي " وبرنامج " كورت " في اكساب مهارات التفكير وتنمية المواهب.. .
كما أن الكفايات تتميز و تمتاز عن المهارات المهنية والتي عادة ما تصنف في لوائح جامدة لا تساير التحولات السريعة في مجال المهن ولا تساير ما أصبح مطلوبا من مرونة في العمل.
* * *
لقيت مثل هذه الطروحات أصداء لها في أنظمتنا التعليمية ، إذ نلاحظ أن مدخل الكفايات هو المعتمد حاليا في إعداد برامج تكوين المعلمين بكليات التربية في معظم البلدان العربية بما فيها سلطنة عمان، خاصة برامج التربية العملية .
لكننا نلاحظ أيضا ، أن هذا المدخل لم ينتقل بعد ، لتنظيم المناهج الدراسية الموجهة للتلاميذ ، ما عدا في عدد محدود من الدول و من بينها المغرب ، حيث ما زالت البرامج تبنى إما وفق المعرفة أو وفق مدخل الأهداف السلوكية وذلك على الرغم من الصعوبات الكثيرة التي يعاني منها المدرسون و الموجهون التربويون أنفسهم ، في تعاملهم مع المدخل السلوكي ( محمد الدريج ، 2004 ).
و للتذكير فقد أوصى المجتمعون في ندوة "الأوزان النسبية للمواد الدراسية " ، التي أقيمت في مملكة البحرين (10-14 مايو 2003) وشاركت فيها وفود تربوية من جميع دول مجلس التعاون الخليجي ، " بعدم التقيد في بناء المناهج بمدخل واحد فقط أي بالمعرفة أو الأهداف أو الكفايات ، و أوصوا بأن يبنى المنهاج باعتماد هذه المداخل بدون انفصال ، لأنها تكمل بعضها البعض و تعطي قوة للمنهاج ". و أوصوا كذلك " بالبحث في إمكانية دمج بعض المواد الدراسية التي تحقق كفايات متشابهة للاستفادة من الزمن الدراسي للمواد التي تناسب تطور العصر".
كما اقترح المشاركون في المؤتمر الدولي حول تطوير التعليم الثانوي ، الملتئم بمسقط ( أيام 22-24 ديسمبر 2002 ) ، بخصوص نماذج المناهج " أن ما يمكن أن يتعلمه الطالب بشكل فعال في المدرسة ، من الأفضل أن يكون محددا بمجموعة من الكفايات العامة الشاملة و الضرورية لكافة أنواع المهن و القابلة للتطبيق في عدد كبير من الظروف . إن مثل هذه الكفايات بدأت تظهر في عمليات التطوير الأخيرة للأنظمة التعليمية ." ( عن وثيقة تطوير التعليم الثانوي ، منشورات وزارة التربية و التعليم ، مسقط ، مارس 2003 ، ص.10).
4 - تنظيمات معاصرة للمنهاج الدراسي
كما أسلفنا ، يذهب العديد من علماء المنهاج إلى أن التطوير الناجح و الإصلاح الشامل للأنظمة التعليمية ، لا يمكن أن يكتمل إلا إذا شمل نموذج تنظيم منهاجها الدراسي ، فأنجزوا العديد من البحوث التي انتهت إلى اقتراح نماذج لتنظيمات منهاجية جديدة ، تحاول فك العزلة عن المدارس والتي بقيت منغلقة وحبيسة منهاج المواد ، خاصة منهاج المواد المنفصلة والذي يتميز بتركيزه الشديد على المحتويات المعرفية في شتى العلوم و بشكل مستقل ، و التعامل مع المقررات كجزر منعزلة و تهميشه للطلاب وتجاهل فروقهم الفردية واحتياجاتهم وميولهم .
كما أدت تلك الأبحاث إلى تميز ثلاثة منظورات أساسية في بناء و تطوير المناهج ، وهي :
1- المنظور المتمركز على المعرفة .
2- المنظور المتمركز على التلميذ .
3- المنظور المتمركز على المجتمع .
و أفرزت تلك المنظورات ، العديد من المناهج التي أصبحت تستجيب لمختلف التحولات ، خاصة ما ارتبط منها بالتحول في المشهد التربوي . فظهر المنهاج المحوري الذي يركز على احتياجات التلاميذ و مشكلاتهم . كما نشأ المنهاج الفعال و منهاج النشاط و الذي يركز على ميول الطلاب واستعداداتهم و ينطلق من تعريف المنهج باعتباره مجموعة من خبرات مترابطة و متكاملة ، توفرها المدرسة للطلاب ، قصد مساعدتهم على النمو الشامل ، وحيث أن الطالب لا يمكنه المرور بالخبرات إلا إذا قام بنشاط معين ، فمعنى ذلك أن النشاط يصبح أمرا حيويا لا غنى عنه في تحقيق الأهداف التربوية .
كما ظهر منهاج الا ندماج الذي يدمج دمجا كاملا بين مادتين متقاربتين و منهاج المجالات الواسعة و هو المنهاج الذي يدمج عددا من المواد المتقاربة الموضوع في مادة واسعة ( قطب أو مجال ) ، مثل دمج التاريخ و الجغرافيا و التربية الوطنية و الاقتصاد تحت اسم الدراسات الاجتماعية .
وفي العقود الأخيرة كثر الحديث عن أصناف أخرى من المناهج تصنف وفق معايير و منظورات مختلفة ، مثل المنهاج التكنولوجي و منهاج الاتصال التفاعلي و المنهاج الاخلاقي و المنهاج القومي و المنهاج التكعيبي و المنهاج الحلزوني و المنهاج الشمولي و المنهاج العالمي . . . ( انظر للمزيد : وليم عبيد و مجدي عزيز ابراهيم ، 1999وكذلك وليد هوانه 1998 ).
و سنقتصر في هذا العنوان ، على التعريف ببعض التنظيمات المعاصرة للمناهج على سبيل المثال ،وخاصة المنهاج التكنولوجي و ما أثاره من انتقادات تمخض عنها ظهور مناهج أكثرارتباطا بقضايا الإنسان و أقل ميلا إلى التنظيمات الانتاجية و التفكير الآلي و" مكننة " التعليم .
أ - المنهاج التكنولوجي
ارتبط ظهور هذا التنظيم لدى كل من بوبيت Bobbit و بوفان Popham و بيكر Baker و غيرهم ، بالنظر إلى المدرسة على أنها جهاز إنتاجي لا يختلف كثيرا عن المؤسسة الصناعية . و النظر بالتالي إلى المنهاج ، كتعبير عن منظومة إنتاجية تسعى إلى استخدام أساليب التكنولوجيا و ما تقتضيه من تشغيل منطقي للعمليات العقلية في التعليم و التعلم .( محمد الدريج ، 2004) .
كما يدعو أنصار هذا المنهاج ، هيئة التدريس و الهيئة الإدارية للقيام بدور المهندسين التربويين الذين ينظمون و يديرون المنظومة التعليمية لإعداد التلاميذ للمساهمة في تطوير مجتمعهم ؛
و يطالبون بتطويع الاجهزة و المعدات ذات القدرة الفائقة في تخزين وعرض وتحليل و استدعاء المعلومات ، للعملية التعليمية .
و بالرغم من ارتباط المنهج التكنولوجي عادة بالمواد الدراسية المنفصلة ، إلا أنه يسعى إلى تنظيم محتوياتها منطقيا ، و ترتيبها في شكل مهام تعليمية متدرجة ، حيث تجزأ كل مهمة إلى " مهرمات " تعليمية أي مهام جزئية مرتبة ترتيبا هرميا ، بحيث يؤدي التمكن من المهمة الجزئية الأدنى إلى تعلم المهمة الجزئية الأعلى في الترتيب الهرمي .( وليم عبيد ، 1999، ص.85)
و في السنين الأخيرة اتسع المنهاج التكنولوجي ليشمل مفاهيم و أساليب تربوية معاصرة مما يثبت أن هذا الشكل من التنظيمات المنهاجية ، ينهل بدوره من التحولات في المشهد التربوي العالمي و بشكل خاص من :
- توظيف النظرية السلوكية في التعليم و القول بالأهداف السلوكية – الإجرائية ؛
- التعلم الفردي الإرشادي ؛
- تفريد التعليم لكن بالتركيز من بين الفروق الفردية ، على اختلاف الطلاب في وتيرة (سرعة) التعلم . ( ومن هنا وجب التمييز بين التعليم الفردي المعتمد في هذا المنهاج و بين التعليم الشخصي المعتمد في المنهاج الإنساني ،بمعنى أن المتعلم في الشكل الأول قد يعمل منفردا و لكن المادة التعليمية التي يتعلمها ليست مادة خاصة به بل هي موجهة للجميع، في حين يوضع في المنهاج الإنساني برنامج مختلف لكل فرد)
- مدخل النظم ؛
- التعليم المبرمج ؛
- استخدام الحاسوب في التعليم ؛
- توظيف الأنترنيت ...
ب - المنهاج الإنساني
يمكن اعتبار المنهاج الإنساني و الذي يعرف أيضا بمنهاج الاتصال التفاعلي ، كرد فعل ضد النماذج التكنولوجية في التعليم ، والتي اتهمت بكونها تسعى إلى خلق الإنسان الآلي ، في حين ينبغي النظر إلى التعليم كنشاط إنساني يهدف إلى خدمة الإنسان كإنسان . و أن يكون للمنهاج بعد يراعي حرية الاختيار و القول والفعل و المشاركة والتفاعل . وضرورة قبول المتعلمين لفكرة تحمل مسئولية تعليم أنفسهم و اتخاذ القرارات بأنفسهم.( محمد الدريج ، 2004 ) .
كما يتميز هذا المنهج ب :
- التركيز على عملية الاتصال التي تحقق وجهة نظر المتعلمين .
- توجيه الاهتمام أولا وأخيرا للمتعلم واحترام خصوصياته وليس فقط وتيرته وسرعته في التعلم كما يفعل المنهاج التكنولوجي .إن عملية التعلم لايمكن وضعها كنموذج واحد لجميع المتعلمين وذلك بسبب اختلافهم في مستوى الذكاء و تعدد ذكاءاتهم و مستوى التحصيل وتاريخهم الدراسي و أسلوب تنشئتهم الاجتماعية ... فكان لابد من تنويع المناهج كي تراعي البعد الإنساني و الظروف المؤثرة في نمائه .
- الرفع من شأن الاحترام المتبادل بين جميع الأطراف الفاعلة في الحقل التربوي و المستفيدة منه .
- النظر إلى التعليم على أنه خبرة ذاتية واقعية ، لذا يجب أخذ رأي المتعلم في الاعتبار بالنسبة للموضوعات التي يتعلمها و القرارات الخاصة بهذا الشأن .
- النظر إلى المدرس على أنه المرشد و الموجه للمتعلمين .
- النظر إلى الخبرات الأولية التي يكتسبها المتعلم على أنها الزاد القوي و الضروري للفهم و اكتساب المفاهيم ، و بخاصة في المراحل المبكرة للتعليم .
( وليم عبيد و مجدي عزيز إبراهيم ، 1999 ).
ج - المنهاج الأخلاقي
أثبتت العديد من الدراسات المعاصرة ، أهمية إعادة الاعتبار للتربية الأخلاقية وضرورة صياغة ثقافة مدرسية ترتكز أولوياتها على القيم الأخلاقية (مدرسة القيم ) و ليس فقط على المعارف و المهارات . مما أدى ببعض المشتغلين بنظريات المنهاج ،إلى الحديث عن المنهاج الأخلاقي وحددوا عددا من الأهداف التي ينبغي أن يحققها هذا المنهاج و التي يمكن تلخيصها في النقاط التالية :
- الحرص على اكساب التلاميذ سمات و عادات شخصية مرغوب فيها ، مثل : الأمانة و التعاون و مساعدة الآخرين .
- الحرص على الارتباط بالقيم المتصلة بالمجتمع و بالوطن و تاريخه ومقدساته ، مثل الانتماء و الالتزام و التضحية و تقدير العمل ومعرفة الخصائص المميزة لثقافة المجتمع وتراثه .
- ترسيخ القيم الكونية ، مثل : احترام حقوق الانسان و رفض فكرة الاحتلال و التعاون و الحوار و التسامح و تقدير أهمية الشرعية الدولية و المبادئ و المواثيق التي صادقت عليها الأمم .
و للتذكير فإننا نجد في المنهاج الإسلامي في التربة ، منبعا لمثل هذه الأهداف و التوجهات ، ذلك أن الإسلام دين قيم ، و أن جميع تشريعاته و أحكامه و أفكاره ، ليست غاية في ذاتها و إنما الغاية القصوى تتمثل فيما قاله الرسول عليه الصلاة و السلام : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ".